top of page

تتمة قراة

مجزأة بن ثور السدوسي

قد جاء في الأمر الذي وجهه الخليفة لأبي موسى رضي الله عنهما أن يصطحب معه الفارس الباسل مجزأة بن ثور السدوسي رضي الله عنه سيد بني بكر وأميرهم المطاع. صدع أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بأمر خليفة المسلمين رضي الله عنه , فعبأ جيشه , وجعل على ميسرته مجزأة بن ثور السدوسي رضي الله عنه , وانضم إلى جيوش المسلمين القادمة من البصرة , و مضوا معا غزاةً في سبيل الله. فما زالوا يحررون المدن , ويطهرون المعاقل , و الهرمزان يفر من أمامهم من مكان إلى آخر حتى بلغ مدينة " تستر " , و احتمى بحماها. وكانت " تستر" التي انحاز إليها " الهرمزان " من أجمل مدن الفرس جمالا , وأبهاها طبيعة , و أقواها تحصينا ، مبنية على مرتفع من الأرض على شكل فرس , يسقيها نهر كبير يدعى بنهر "دجيل". وحول " تستر" سور كبير عال يحيط بها إحاطة السوار بالمعصم , ثم حفر " الهرمزان " حول السور خندقاً عظيماً يتعذر اجتيازه , و حشد وراءه خيرةجنود فارس. 
شجاعة مجزأة 

عسكرت جيوش المسلمين حول خندق " تستر" و ظلت ثمانية عشر شهراً لا تستطيع إجتيازه. وخاضت مع جيوس الفرس خلال تلك المدة الطويلة ثمانين معركة. وكانت كل معركة من هذه المعارك تبدأ بالمبارزة بين فرسان الفريقين , ثم تتحول إلى حرب ضارية ضروس. وقد أبلى مجزأة بن ثور في هذه المبارزات بلاء أذهل العقول , و أدهش الأعداء و الأصدقاء في وقت معا. فقد تمكن من قتل مائة من شجعان العدو مبارزة , فأصبح اسمه يثير الرعب في صفوف الفرس , و يبعث النخوة والعزة في صدور المسلمين. وعند ذلك عرف الذين لم يكونوا قد عرفوه من قبل لم حرص أمير المؤمنين رضي الله عنه على أن يكون هذا البطل الباسل في عداد الجيش الغازي. 

الفرج بعد الشدة 

انتقل المسلمون بعد هذا الصبر الطويل من حال سيئة إلي أخرى أشد سوءاً , فبعد أن لاذ الفرس بالمدينة , و أغلقوا عليهم أبواب حصنها ، أخذوا يمطرون المسلمين من أعالي الأبراج بسهامهم الصائبة ، وجعلوا يدلون من فوق الأسوار سلاسل من الحديد , في نهاية كل سلسلة كلاليب متوهجة من شدة ما حميتبالنار. فإذا رام أحد جنود المسلمين تسلق السور أو الإقتراب منه , أنشبوها فيه و جذبوه إليهم , فيحترق جسده , و يتساقط لحمه , و يقضى عليه. فاشتد الكرب على المسلمين , و أخذوا يسألون الله بقلوب ضارعة خاشعة أن يفرج عنهم , و ينصرهم على عدوه و عدوهم . و بينما كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يتأمل سور " تستر " العظيم , يائساً من اقتحامه , سقط أمامه سهم قذِف نحوه من فوق السور , فنظر فيه فإذا فيه رسالة تقول : لقد وثقت بكم معشر المسلمين , و إني أستأمنكم على نفسي ومالي و أهلي و من تبعني , ولكم علي أن أدلكم على منفذ تنفذون منه إلى المدينة. فكتب أبو موسى رضي الله عنه أماناً لصاحب السهم , وقذفه إليه بالسهم. فاستوثق الرجل من أمان المسلمين لما عرف عنها من الصدق بالوعد والوفاء بالعهد , وتسلل إليهم تحت جناح الظلام , و أفضى لأبي موسى رضي الله عنه بحقيقة أمره فقال : نحن من سادات القوم , و قد قتل الهرمزان أخي الأكبر , و تعدى على ماله و أهله , و أضمر لي الشر في صدره حتى ما عدت آمنه على نفسي و أولادي فآثرت عدلكم على ظلمه , ووفاءكم على غدره , وعزمت على أن أدلكم على منفذ خفي تنفذون منه إلى تستر فأعطني إنسانا يتحلى بالجرأة والعقل , ويكون ممن يتقنون السباحة حتى أرشده إلى الطريق. 

السباح البطل 

استدعى أبو موسى الأشعري مجزأة بن ثور السدوسي رضي الله عنهما , و أسر إليه بالأمر و قال : أعني برجل من قومك له عقل و حزم , وقدرة على السباحة. فقال مجزأة رضي الله عنه : ( اجعلني ذلك الرجل أيها الأمير ) فقال له أبو موسى رضي الله عنه : إذا كنت قد شئت , فعلى بركة الله. ثم أوصاه أن يحفظ الطريق , و أن يعرف موضع الباب , و أن يحدد مكان " الهرمزان " , و أن يتثبت من شخصه , و ألا يحدث أمرا غير ذلك. مضى مجزأة بن ثور رضي الله عنه تحت جنح الظلام مع دليله الفارسي , فأدخله في نفق تحت الأرض يصل بين النهر والمدينة. فكان النفق يتسع تارة حتى يتمكن من الخوض في مائه وهو ماشٍ على قدميه , ويضيق تارة أخرى حتى يحمله على السباحة حملاً. وكان يتشعب و يتعرج مرة , و يستقيم مرة ثانية .. وهكذا حتى بلغ به المنفذ الذي ينفذ منه إلى المدينة , و أراه " الهرمزان " قاتل أخيه , و المكان الذي يتحصن فيه. فلما رأى مجزأة " الهرمزان " , هم بأن يرديه بسهم في نحره , لكنه مالبث أن تذكر وصية أبي موسى رضي الله عنه له بألا يحدث أمراً , فكبح جماح هذه الرغبة في نفسه و عاد من حيث جاء قبل بزوغ الفجر. 

مجزأة والمعركة الحاسمة

أعد أبو موسى رضي الله عنه ثلاثمائة من أشجع جند المسلمين قلباً , و أشدهم جلداً و صبراً , و أقدرهم على العوم و أمر عليهم مجزأة بن ثور رضي الله عنه وودعهم و أوصاهم ، وجعل التكبير علامة على دعوة جند المسلمين لاقتحام المدينة. أمر مجزأة رضي الله عنه رجاله أن يتخففوا من ملابسهم ما استطاعوا حتى لا تحمل من الماء ما يثقلهم ، وحذرهم من أن يأخذوا معهم غير سيوفهم ، و أوصاهم أن يشدوها على أجسادهم تحت الثياب ، و مضى بهم في آخر الثلث الأول من الليل. ظل مجزأه بن ثور رضي الله عنه وجنده البواسل نحوا من ساعتين يصارعون عقبات هذا النفق الخطير , فيصرعونها تارة و تصرعهم تارة أخرى. ولما بلغوا المنفذ المؤدي إلى المدينة وجد مجزأة رضي الله عنه أن النفق قد ابتلع مائتين وعشرين رجلا من رجاله , و أبقى له ثمانين.. وما أن وطئت أقدام مجزأة رضي الله عنه و صحبه أرض المدينة حتى جردواسيوفهم , و انقضوا على حماة الحصن , فأغمدوها في صدورهم ، ثم وثبوا إلى الأبواب و فتحوها و هم يكبرون. فتلاقى تكبيرهم من الداخل مع تكبير إخوانهم من الخارج... و تدفق المسلمون على المدينة عند الفجر... و دارت بينهم و بين أعداء الله رحى معركة ضروس قلما شهد تاريخ الحروب مثلها هولا و رهبة و كثرة في القتلى.

وترجل الفارس 

فيما كانت المعركة قائمة على قدم و ساق أبصر مجزأة بن ثور رضي الله عنه " الهرمزان " في ساحها , فاتجه نحوه , و ساوره بالسيف , فما لبث أن ابتلعه موج المتقاتلين و أخفاه عن ناظريه... ثم إنه بدا له مرة أخرى فاندفع نحوه و حمل عليه.. وتصاول مجزأة رضي الله عنه و الهرمزان بسيفيهما فضرب كل منهما صاحبه ضربة قاضية , فارتد سيف مجزأة رضي الله عنه , و أصاب سيف الهرمزان... فخر البطل الباسل صريعا على أرض المعركة , و عينه قريرة بما حقق الله على يديه. وواصل جند المسلمين القتال , حتى كتب الله لهم النصر , ووقع الهرمزان في أيديهم أسيرا. 


انطلاق البشير 

انطلق المبشرون إلى المدينة المنورة يزفون إلى الفاروق رضي الله عنه بشائر الفتح ، و يسوقون أمامهم الهرمزان وعلى كتفيه حلته الموشاة بخيوط الذهب ليراه الخليفة. و كان المبشرون يحملون مع ذلك تعزية حارة للخليفة بفارسه الباسل الصحابي الفارسي مجزأة بن ثور السدوسي رضي الله عنه وأرضاه . 

انتهى 

 

للصفحة 

الاسلامية

العودة

قسم / صور من حياة الصحابة

© Copyright
bottom of page